السبت، أكتوبر 20، 2012

أنت ورقة

" انت ورقة " .. عند سماعك لهذه الجملة للوهلة الأولى يقفز الى ذهنك المشهد التاريخى للفنان العظيم يوسف بك وهبى عندما حاول اقناع الفنان العظيم - ايضا - فؤاد المهندس بأنه ورقة قائلا و مرددا جملة " أنت ورقة .. أنت ورقة .. أنت ورقة " فى فيلم لا اذكر منه سوى الجملة الشهيرة " انسان انوى نادر " .. و لا اذكر اسمه ايضا .. !!

هذا المشهد الذى وصفته سلفا بالتاريخى .. ليس مجرد مشهدا فى فيلم ابيض و اسود .. فهذه الفكرة الجنونية فى اقناع شخص انه مجرد ورقة ليست مجرد فكرة جنونية لشخص مجنون يظن فى نفسه العلم الواسع .. انما هى وصف تحليلى دقيق لحياة كل مواطن مصرى منذ قدومه الى الدنيا حتى رحيله عنها .. رؤية مستقبلية و بعد نظر يُحسد عليه مؤلف الفيلم و أداء تمثيلى مبهر للراحل يوسف بك وهبى .. فمحاولاته المستمرة لترسيخ هذا المعنى فى عقل هذا المواطن البسيط أعتقد انها ليست مجرد اداء تمثيلى و لكننى ارى فيها تحذيرات هامة و تنبيهات لكل منا .. تحذير ان كل منا هو مجرد ورقة .. ورقة .. !!

تأتى الى الدنيا عفيفا بريئا كل ما تملكه هو البكاء .. فقط البكاء .. و ورقة ميلاد تثبت مجيئك الى هذه الدنيا .. لولاها لا وجود لك على هذا الكوكب .. و من ورقة الميلاد الى ورقة طلب الدخول الى المدرسة .. الى ورق الشهادات .. و ورق البطاقة الشخصية و غيرها الكثير من الأوراق الروتينية الى نمر بها جميعا فى رحلة البيروقراطية النصرية العقيمة بدءا من ميلادك انتهاءا بورقة وفاتك و خروجك من دنيانا الفانية .. !!

لا تنخدع فيما كتبت قبلا .. فلا اقصد هذا النوع من الورق التافه عديم القيمة .. و لكننى هنا أتحدث عن ورق اكثر قيمة .. ربما لا يكون مرئيا لنا جميعا .. و لكننى أثق تمام الثقة أننا جميعا مررنا بهذه الحالات و اللحظات التى نشعر فيها اننا عدة أوراق .. أو مجرد ورقة .. !!

فهناك من ينسى انسيتك و شخصك .. و لا يرى فيك غير المال - مثلا - .. حينها تعتقد فى نفسك انك مجرد ورقة .. فانت لا تمثل للبعض سوى المال .. يزداد قربه و محبته لك بمقدار زيادة أو نقصان مالك .. فلا تجده بجانبك سوى اوقات الرخاء و الترف .. و غالبا ما يكون انتهازيا استغلاليا لك و لمالك .. و لن تجده ابدا اذا انتقص مالك .. !!

و هناك من لا يرى فيك سوى علمك .. او بالأحرى درجاتك الموثقة فى الشهادات العلمية .. ورقة الشهادة .. فانت لا تمثل له سوى مجموعة درجات تزيد فيزداد قربه لك .. تنقص فيتناساك .. هو الشخص الذى لا تعرفه فى حياتك سوى اوقات الامتحانات اذا قُدر لك و كنت من الفائقين دراسيا .. و هو نفس الشخص الذى يتجاهلك و يتعمد اهانتك و ايذائك نفسيا لو تعثرت دراسيا .. بل و الأدهى قد يكون هو احد اسباب تعثرك .. فتمر الأيام و هو ينتظر مشاهدة سقوطك لأقصى درجات التعثر .. فتسعد دنياه .. فلم تعد انت الفائق صاحب الدرجات العالية فى الشهادة .. ورقة الشهادة !!

و هناك من يراك سيارة - مثلا - .. او ورقة رخصة القيادة .. فتكون سائقه الخاص .. رفيقك فى كل مكان .. فتظنه صديقا .. تكتشف حقيقتك عنده فقط اذا تعطلت سيارتك .. او فقدت اوراق رخصتك .. فلا تستعجب اذا رأيته لا يصادقك و يستبعدك من حياته تماما عندما تختفى هذه الورقة .. و يعود الى احضانك مهرولا اذا استعدت سيارتك .. !!

و هناك من يرى فيك انك مجرد ورقة توصية .. فلا يعرفك الا للمصلحة .. و ليست العامة بالتأكيد .. فأنت ورقة تسهل عليه عمله .. او تفوز له باجازة طويلة .. او تسهل عملية تجارية .. او تمنع مشكلة ادارية .. مجرد ورقة فى صورة كارت شخصى مزين بتوصية مكتوبة خطيا على ظهره ..و بالطبع لا أحتاج أن اذكرك بأنه سوف ينهى علاقته بك تماما فور زوال منصبك .. !!

و هناك من يجدك جريدك فكاهية .. يجد فى وجهك كوميديا لا يجدها فى افلام اسماعيل ياسين .. فيضحك عليك و يستهزأ بك و يسخر من كلماتك و تصرفاتك .. و لا يجد سعادته الشخصية الا فى اهانة شخصك علنا و سرا .. فانت بالنسبة له ورقة .. ورقة تعليه مقاما فى نظر الأخرين لأنه - ابو دم خفيف - .. !!

و هناك من يتخيل نفسه نشرة اخبارية .. فيجعل من نفسه مصدر اخبارى اذاعى .. ينشر اخبارك خيرها و شرها علانية .. بل و يسعى لمعرفة سرك .. و فضحه .. فهو فى ذاته ورقة .. ورقة رخيصة .. !!

و هناك من يعتقد فى كلامى انه مجرد كلام على ورقة .. ورقة قد لن يقرأها .. و ان قرأها لن يكملها .. و ان اكملها لن يفكر فيها .. و لن يعلق عليها استعلاءا و استكبارا .. أو اقتناعا بأن كلامى مجرد كلام على ورق لا يستحق اقل درجات التفكر .. أو التشجيع .. !! .. فكلانا ورقة .. !!

انا انسان .. مجرد بشر .. قد أخطئ و قد أصيب .. قد أفلح و قد أفشل .. و لكننى - بالتأكيد - لست مجرد ورقة .. !!

و للحديث بقية ..


0 التعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.