الأحد، مارس 09، 2014

وَنسان .. !!



صباح يوم جديد رتيب ممل .. لا جديد .. كل شئ قابع في مكانه .. لا شئ تغير .. 

اعقاب السجائر مقلوبة رأسا علي عقب في قاع كوب الشاي الممتلئ نصفه او اقل بقليل .. و كأن حالة الملل المميت اجبرته الا ينهي كوبه .. سرير لا يغطيه وسائد .. تلفاز و قناة يبدو انها لم تغير منذ عهود .. علب الطعام الفارغة ملقاة يمينا و يسارا .. الغبار يغطي كل شئ .. و لما لا و الشباك البالغ طوله مترين مفتوح عن اخره لا يستجيب لمداعبات نسمات هواء الربيع كأنه تجمد او تجلد من قلة الحركة .. او انعدامها .. و خلاصة افكار جاهين تنسدل من فم منير في نغمات تخرج من كاسيت عتيق في اخر الغرفة كسر بابه بفعل الزمن و الاستعمال "..وحدي لكن ونسان و ماشي كدة .. ببتعد .. معرفش او بقترب" ..

حتي الشمس تسللت اليها علي استحياء لا ترغب في وصول اشعتها الي هذا المكان القاتل .. فهناك علي هذه الارض من هو احق باشعتها الذهبية .. تتسأل بحسرة : ما هذا المكان .. من يستطع العيش في منزل كهذا .. !!

ألم تسكنه امرأة قط .. !!

ينظر حوله و هو ممدد علي اريكة متهالكة .. متكأ علي ساعديه و ظهره نصف مرفوع لا يرتدي سوي بنطال .. او هكذا بدا .. يدير رأسه في الغرفة بقرف شديد كمن اشتم رائحة عفنة .. ينفخ هواء فمه و يترك جسده فجأه مراخيا ساعديه ليرتطم بجسد الاريكة بقوة .. كأنه انتظر شيئا لم يحدث مع بداية اليوم الجديد .. او كأنه لم يرد استقبال هذا اليوم .. حيا .. !!

تمر الدقائق .. رتيبة كئيبة علي المنزل و صاحبه .. تنجح اشعة الشمس في مضايقة جثته الهامدة علي الاريكة المتهالكة .. فيحرك يده في بطء شديد ليغطي بها وجهه متفاديا الشمس .. يحاول عقله اقناع سائر جسده بالنهوض .. فلا جدوي من البقاء هكذا .. لا جدوي من انتظار شئ لن يحدث الا بأمر الله وحده لا غيره ..

يمر قرابة الساعة حتي ينجح العقل في مبتغاه و يبدأ الدم الراكد في العروق في التحرك مع حركة الجسد .. يحاول النهوض فيجلس علي حافة الاريكة غير مباعد بين قدميه مطاطئ الرأس .. ينظر باتجاه الارض. . يتابع اسراب النمل تتصارع و تتسابق في حمل بعض حبيبات الارز المتناثرة بجوار علب الطعام الفارغة.. يمد ذراعيه للامام ثم ينهض واقفا.. محاولا تفادي اسراب النمل .. يتركها خلفه و يحاول البحث عن شئ ينتعله في قدمه وسط ركام الغرفة .. سرعان ما يفشل في هذا.. فقد مل البحث فقط بعد ان نظر يمينا و يسارا .. يتابع المشي حتي اخر الغرفة يضرب بقدمه كل عبوة صودا فارغة او غير فارغة ملقاه في طريقه.. حتي يصل للحمام ..

يمد يده داخل الحمام متحسسا الحائط حتي يجد المقبس فيضيئه .. يخلع بنطاله.. حتي ينزل بين قدميه فيلقيه بقدمه كمن يسدد كرة قوية فيطير مصطدما بحائط الحمام ثم يقع بجوار اقرانه من للملابس الداخلية و غير الداخلية علي الارض منتظرين "الفرج" .. يمد يده فيدير محبس المياه ليسمح لها بالنزول من "الدش" المتدلي من اعلي الحائط .. يتحرك باتجاه المياه ليسمح لها ببداية رحلتها من ام رأسه حتي اخمص قدمه ..

فقد غيرت الحياه فيه كل شئ .. الا استحمام الصباح .. الملاذ الوحيد .. !!

احساس المياه الدافئة علي رأسه و جسده اعاد الهدوء لذهنه الشارد .. فبدأت الحياة في الرجوع كشريط سينما يعرض "فلاش باك" .. كل شئ يعود سريعا.. ابوه امه مدرسته اصدقائه النادي الكلية العمل و هي.. نعم هي.. شريط السينما لم يتغير منذ عقود .. كل الاحداث المتراكمة تمر سريعا بنفس الترتيب حتي يصل عندها. . فيتوقف كل شئ.. يبتسم لوصولها عقله.. ثم تتلاشي فتتلاشي الابتسامة عندما يتيقن اتها هلاوس ذهنه لا اكثر .. يغمض عينيه في محاوله اقناع المخرج السينمائي القابع في ذهنه علي استكمال فيلم الذكريات.. لماذا دائما عندها ينقطع البث .. !!

تعود مرة اخري.. فيبتسم مجددا .. ثم يقوم مخرجه الذهني عنوة و غصبا بتسريع الاحداث سريعا جدا. . فلا يستطيع ملاحقته حتي تأتي مشاهد يرفضها قلبه.. فيهز رأسه يمينا و يسارا بشدة يحاول طرد هذا المخرج اللعين من رأسه .. اخرج ايها البائس .. يفتح عينيه بقوة كأنه يخشي استمرار اغماضها و يلهث بشدة من هول ما رأي كمن كان يجري دهرا .. !!

ملعونة ايتها المياة الدافئة .. !! .. لم ترحمه يوما منذ زمن .. !!

انهي حمامه المنعش المميت .. ليلقي بجسده داخل منشفة من الحجم العائلي.. يجفف بها جسده و شعره ثم يلفها علي وسطه .. ليخرج بها الي ركام الغرفة مرة اخري. . يتجاوز الغرفة سريعا.. متفاديا كل عائق في طريقه .. ينظر فلا يجد اسراب النمل. . عادت الي خنادقها بعد انهاء مهمتها بنجاح .. الاستيلاء علي بقايا الطعام

يسحب سيجارة من علبة كارتونية ملقاة علي طاولة قديمة تخلو من كل شئ الا بعض الاوراق و علبة السجائر و كوب الشاى الممتلئ نصفه ليعمل مطفأة لسجائره .. يمرر يده فيفتح الدرج الملئ بولاعات اشكال و الوان فيجذب احدها ليشعل سيجارته. . ثم يمرر يده ثانية وسط الولاعات فيسحب من تحته كتابا عفي عليه الزمن .. و يفتحه من المنتصف تحديدا فيجذب من بين صفحاته صورة متقطعة الاطراف يبدو عليها القدم .. و ينظر لها بامعان شديد .. و تبدأ انفاسه في التسارع .. و يسيطر مخرجه الذهني علي افكاره من جديد

يمر الوقت و النار تأكل سيجارته التي لم تذق شفتاه طعم حلاوتها منذ اشعلها.. مازال شاردا في صورته البالية. . وقع سقوط ركام السيجارة المتآكل بفعل النار علي قدمه العارية اخرجه من شروده.. القاها مع اخواتها في كوب الشاي الممتلئ عن اخره باعقاب السجائر. . اصطحب صورته معه الي الشباك المفتوح و استتد بساعديه علي حافته و نظر مرة اخري الي الصورة. . و شرد من جديد ..

صفين من البشر من الجنسين يتضاحكون و يتغامزون مع ملتقط الصورة.. يبدو عليهم ملامح طموح الشباب و انطلاقه .. اعمارهم لا تتجاوز منتصف العشرينات. . متقاربين بشكل شديد.. تظهر الالفة و المودة بينهم. . يتوسطهم بدر الزمان يضئ كل ما حوله.. تبتسم في رقة شديدة كموجة نسيم باردة في عليل صيف اغسطس باتجاه ملتقط الصورة. . عينان تبثان الحياه في كل شئ كشمسين اضاءتا الدنيا .. من فرط قوتهما ظهر كل شئ بجانبهما معتم. . و كأن لا اخد غيرها في الصورة. . و كأن الكاميرا لا تري غيرها ..

كل هذا ظهر في صورته الباليه التي ضربها صفراء الدهر و الزمن و تقطعت اطرافها فطارت رؤوس بعض اصحابها.. و اختفت ملامح البعض الاخر. . الا هي. . توسطت الصورة تماما .. فتجنبت غدر الزمان بقطعة الورق.. و كأنها تصر علي الوجود مدي الابد. .

فقد كانت هي سره .. و كان هو ملتقط الصورة .. !!

فلاش باك جديد من مخرج ذهني بسط سطوته تماما .. و امتدت نفوذ مملكته حتي شملت كل حدود العقل. . فارسل رسله الي القلب يعلمه بوصول المحبوب و اعلان اعلي درجات حالات الاستنفار القلبية. . فتتسارع الدقات و الانفاس.. و تسقط كل حوائط صد الذكريات و موانعها.. و تبدأ الافكار في التسرب سريعا. . و كأن العقل ارسل صاحبه في آلة زمن خيالية اعادته لأكثر من عشر سنين فاتت. . !!

صباح يوم في خريف اكتوبر .. و وسط نسمات الهواء التي تتطاير معها اوراق الشجر الذابلة .. كان يراها وردة متفتحة تنشر عبيرها في الافق تحيل خريف الكون ربيعا مزهرا.. كان ينتظرها في كل صباح ليمتع نظره برؤيتها تظهر من باب عمارتها الحديدي بعد ان تلكأ قرابة الساعة في بيته المقابل لها حتي يتسني له اصطحابها الي الجامعة. . فقد كانت تزامله الحي و الجامعة معا..

منذ انتقلت الي هذا الحي و هي اشعلت داخله روح العشق .. فتنته برقتها و سحر جمالها. . حفر ملامحها في قلبه و عقله .. حتي عطرها كان يشمه من علي بعد اميال. . خيوط شعرها الذهبي .. عيون المها. . اناملها الرقيقة. . شفتاها. . عطرها الاخاذ.. عقلها الراجح. . رقتها القاتلة .. شخصيتها الساحرة. . كل ما فيها اثار في قلبه نار العشق و الهيام

في طريقهما ذهابا و مجيئا كان يتلفت يمينا و يسارا يحرسه بعينيه. . يحميها بجسده من اجساد المارة و السيارات. . تمني الاف المرات لو افداها بروحه امام سائق متهور. . يتوقف قلبه عن النبض لو تلامست ايديها صدفة في زحام الطريق. .

يتبادل الضحكات معها و يتابع ابتساماتها العذبة. . و يسرح في عينيها مستغلا انشغالها بقراءة شيئا ما .. و يضحك عليها عندما تلطخ وجهها بالصلصة و هي تتناول ساندويتشا ساخنا بين المحاضرات

تلك كانت حياته. . حياتها. . يشغل يومه بيومها. . و ما يؤرقه الا نهاية يومهما معا في اخر النهار .. يودعها عند مدخل عمارتها .. تصعد درجات السلم برشاقتها المعهودة .. تسلب من روحه كل شئ .. يعتصر الفؤاد .. ما لك ايها القلب .. ان غدا لناظره القريب .. اهدأ و رب الناس .. !!

تمر الايام و السنوات تلو الاخر .. و يبقي كل شئ .. الا حبه لها .. يكبر يوما بعد يوم .. ككبر الجبال .. و ثقلها علي قلب لم يخطر محبوبه بشوقه و لوعه .. سنوات من الرفقة و الفرح و الهم و الحزن ..

ما زال يذكرها و كأنه الأمس ..

تترقرق الدموع في عينيه و هو يمرر اصابعه علي صورته البالية .. ود لو يلمس خديها فيشعر بحلاوة الروح تدب فيها .. كم هي موحشة الحياة بدونها ..

ترتعش يده .. فتكاد تسقط الصورة من يده .. فيقبض عليها بشدة .. و يزمجر في غضب .. نسمة هواء لعينة كادت تضيع اخر ما تبقي له منها .. احتضنها سريعا و ابتعد عن الهواء .. لن يقترب منها احد .. و يعيد الصورة الي منتصف الكتاب حيثما كانت .. و ينظر اليها نظرة اخيرة قبل ان يغلق عليها الكتاب و يعيده الي مثواه .. هل تراني مثلما اراكي .. هكذا حدث نفسه ..

نفس البسمة لا تغادر وجه البدر .. بسمتها نفس البسمة

نفس بسمة "صباح الخير" .. و بسمة "الحمد لله" .. و بسمة اللقاء .. و بسمة "نجحنااا" .. و بسمة "متزعلش" .. و بسمة الوداع .. !!

نفس البسمة التي اضاءت من الكون كل شئ ..

هي بسمة وداع نظرت بها اليه .. و هو يرمقها من خلف حاجز زجاجي و هي علي سرير مدولب لا تقو علي الحراك .. اطباء و ممرضين و ممرضات يتحركون في عشوائية غير مفهومة حولها .. منهم من يحاول ان يقيس ضغطها او نبضها .. و يمرر بعض الامبولات الكيميائية في اوردة جسدها . عل قلبها يستجيب .. يتابعون في قلق معدلاتها الحيوية علي الشاشة .. و هي تهبط تدريجيا .. وسط صرخات الاهل و استجداء الاطباء في خروجهم من الغرفة ..

لم تقو قدماه علي الحركة .. عين علي نبضات قلبها في شاشة لا تنفع و لا تضر .. و عين علي عينها .. روحها . روحه .. تتبسم في وجهه وسط كل الصخب هذا و كأنها تسأله ألن تبادلني البسمة .. لم اعهدك هكذا قط .. !!

يحاول التبسم مخفيا دموعه المتساقطة .. و قلبه الذي يعتصر الما و هو يرقب صفراء وجهها تزداد .. و معدلاتها تستمر في الهبوط .. يلتصق بالحاجز الزجاجي و كأنه يريد ان يخترقه فيجري عليها فيحتضنها و يضمها الي صدره فيخبرها بحبه المدفون في روحه منذ عهود و سنين .. عل هذا الخبر يحييها .. او يفاجئها فيصدمها فتوبخه .. ما كان يبالي بكل هذا .. فقط اراد وجودها في الحياة ..

دقائق طويلة .. جدا .. كأنها الدهر .. !!

و فجأة ..

ممرضة تجري بطاولة عليها بعض الحقن الطبية و جهاز للصعق الكهربائي .. و اخري تجري باتجاهه فتغلق الستائر علي الحاجز الزجاجي فتمنعه رؤية بسمتها .. بسمة الوداع .. و اخري تنجح في اخراج الاهل من الغرفة .. ما زال ملتصقا بحاجزه الزجاجي .. و لكن لا يري شيئا .. انعدمت الرؤية تماما داخل الغرفة .. أغلق عينيه . لا يود ان تري عيناه شيئا بعد عينيها ..

لحظات مرت كالدهر ارزله ..

لا يقو علي الحركة .. شل الفكر و العقل .. و طعن القلب .. و سلبت الروح .. يمني نفسه بكلمات تخرج من طبيب تطمنئه علي حالتها .. و ان شمس الحياة لن تغيب ..

لم يخرجه من سكونه سوي صوت باب الغرفة و هو ينفتح ليخرج منه طبيب مطاطئ الرأس .. يتحدث للاهل بنبرة مكتومة الصوت .. ظل يبحث في العيون عن بادرة امل .. لم يجد سوي الحسرة و الذهول .. خارت قواه .. سقط علي ركبتيه ..

يا رب يا عالي .. من لي سواك ..

صرخات دوت بجانبه .. اشعلت النار في الروح .. توقف قلبه عن النبض .. يزحف ببطء شديد كجثة هامدة .. يتحرك نحو الباب الذي انفتح عن اخره اثر اندفاع الاهل و الاحباب الي داخل الغرفة .. لا يري شيئا .. غير ان الحركة انعدمت في الغرفة .. يحاول الاختراق بنظره بين اجساد الاطباء و الاهل المتجمهرين حول سريرها .. انه يراها .. نعم انها هي .. هي .. هي الروح و القلب و العقل و الفؤاد .. و لكن .. لكن اين وجهها .. لماذا تغطونها هكذا .. لماذا تغطون وجهها .. ها .. ايعقل ان تضعوا مثل هذا الغطاء الرث علي وجه ملك .. ايعقل ان تنطفئ نور الحياه .. شمس الوجود .. لماذا تغطون وجهها .. بالله عليكم لا تفعلوا ..

صرخات و صرخات تتوالي .. و قلبه يعتصر .. و ام تبكي بحسرة تحاول كشف وجه القمر المستور .. و اب لا يقو علي الحركة .. و اخرين لا يعون ما يحدث .. عويل البكاء اصم .. قلبه يرفض تصديق ما تراه عيناه .. يبحث عن الشاشة اللعينة في طرف الغرفة علها تنفعه الآن فيبشرهم بالحياة ..

نعم .. انعدم النبض .. توقف القلب ..

توقف القلب .. قلبه .. و قلبها ..

يوما لن يري بسمتها ثانية ..

يمسح دموعه المترقرة علي خديه .. اللعنة عليك ايها العقل .. اللعنة على عقل لا يحوى من الئكريات الا مرها .. و يرفع صورته مرة اخري فيضمها الي قلبه .. و يحتضنها ليهدأ قلبه الذي اعتصره ألم الفراق .. ثم يقبلها قبلة حانية .. و يضعها ثانية في كتابه البالي ثم يعيده الي مكانه .. محاولا استخلاص نفسه من الدرك الاسفل من الحزن ..

نعم رحلت فأخذت كل شئ ..

يحاول ان يأخذ نفسا عميقا و يطرد من عقله ذكرياته القاتلة .. و يترحم علي الفؤاد .. و يبحث عن شيئا يرتديه .. عله يستر روحه المجروحة .. و يسحب سيجارة اخرة من علبة سجائره لينفث دخان افكاره عل عقله يستريح .. و يبحث عن كوب شاي الأمس الذي استعمله لاطفاء سجائره .. يحرك رأسه يمينا و يسارا حتي يجده مستقرا فوق الطاولة مختبئا خلف بعض الاوراق و الجرائد .. يلتقطه .. فيسقط من بينها مظروف ورقي حمل اسمه بالكامل بالعربية و الانجليزية .. ينظر الي المظروف الورقي الملقي علي الارض .. و يطيل النظر .. ينفث دخان سيجارته التي اشعلها توا .. ثم ينحني ارضا ليلتقط مظروفه بنفس اليد التي يمسك به السيجارة .. و كأنه لا يستحق ان يفرغ له يدا كاملة ..

يمسك بمظروفه و يبتسم ساخرا .. ثم يلقيه بعيدا .. فتسقط منه بعض الاوراق .. يتجاهلها .. و يتحرك ناحية اريكته المتهالكة لاستكمال يومه الرتيب الممل الروتيني في مطالعة الاخبار و مشاهدة التلفاز .. هذا الروتين الذي استمر لشهور منذ جاءه هذا المظروف اللعين .. هذا المظروف الذي خلف اوراقا علي الارض .. كتب علي اخرها في الاعلي اسمه كاملا بالانجليزية .. و تاريخا يعود الي اشهر مضت .. و في منتصفه حروفا و ارقام تشير الي معدلات مكونات جسده من بروتينات و انزيمات و غيرها الكثير من التحاليل الطبية و العينات الباثولوجية .. و في اسفلها كلمات بالانجليزية

Conclusion : Patient's sample shows a type of Leukemia for further investigations

الاستنتاج : عينة المريض تشير الي اصابته بنوع من انواع سرطان الدم .. مطلوب اجراء تحاليل اخري

و امضاء الطبيب .. و خاتم شعار المعهد القومي للاورام .. !!

ما زال يرمقها من أعلي اريكته المتهالكة .. ينفث دخان سيجارته الساخن في وجه الورقة الخبيثة التي حملت الخبر الخبيث .. و هي ملقاة علي الارض .. و كأنما اراد ان يخبرها شيئا و لكن رتابة حياته اجبرته علي تجاهلها .. فيبتسم .. يبتسم لها .. فقد اقترب اللقاء .. يبدو ان القدر كتب له رفقة محبوبته في كل شئ .. حتي في مرضها .. مرضها الخبيث .. و لكنه امهله كل هذه السنوات عقابا له علي ما اخفاه عنها و كتمه في صدرة طيلة سنين .. فعسي الآن ان يلقاها في جنات ربه ..

فيخبرها كيف عاش لها .. و مات برحيلها .. و اعتل جسده بمرضها .. فيقتله .. فيلقاها في جنات ربه و ربها ..

يمني النفس ان يحشر مع من عشقها .. !!

0 التعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.