الثلاثاء، يناير 17، 2012

فيسبوكى .. !!

الساعة الآن الخامسة فجرا .. ظلام دامس يخيم على غرفتى الصغيرة .. سكون تام يتخلله بعض اصوات عمال " الدليفرى " الساهرين فى الشارع و صوت " شخير " صديقى الذى افترش الارض و نام .. بدأت انظر فى ارجاء الغرفة - و ما زلت على السرير - منتظرا ان تتكيف اعينى على ظلمتها فقد ارى الاشياء .. تحسست جهاز " اللابتوب " الذى رقد بدوره بجوارى على سريرى و كأنه ارتمى فى احضان " البطانيه " و دفئها .. مثلما افعل بالضبط 

ضغطت على زر التشغيل .. و قررت ان ادخل الى صفحتى على موقع " فيسبوك "

و لمن لا يعرف ال"فيسبوك" .. فهو موقع للتواصل الاجتماعى بين الافراد من مختلف دول العالم .. و يضم فى جنباته كل طبقات المجتمع باختلافاته الفكرية و العقائدية .. فهو مجتمع متكامل و لكن الكترونيا .. و اعتقد انه الموقع الالكترونى الاشهر فى العالم فى وقتنا هذا

قررت ان اتصفح هذا الموقع الالكترونى .. باعتباره عينه عشوائية لمجتمعنا المصرى .. و بدأت اتابع بكل دقة ما يحدث على صفحة ال" هوم " من تحديثات و مشاركات أصدقائى .. و اكتشفت ان ما أراه بعينى الآن ما هو الا تجسيد حقيقى لحال مجتمعنا " اللى لا يسر عدو ولا حبيب " .. !!

ها هو صديقى الليبرالى يضع صورة الدكتور محمد البرادعى كصورة شخصية له .. يكتب { السلفيين بيكفرونا و ناسيين اننا اللى جبنالهم الحرية اللى هما بيتنفسوها دلوقتى } .. فيتخيله البعض من انصار الدعوة السلفية انه يكتب كلامه هذا و هو يحتسى كوبا من الخمر و يمسك سيجارة فى اليد الاخرى و بجانبه فتاة او اثنتين من سيئات السمعة .. !!!
و هنا صديقى السلفى يضع " لينك " لفتوى الشيخ ياسر برهامى بشأن العمل فى صيدلية تبيع شفرات الحلاقة ... حرام ام حلال .. !! .. و يكتب معلقا عليه { يا رب سامحنى انا بعت مكنة حلاقة امبارح } .. فيتخيله الليبراليين و بعض معارضى السلف انه يكتب كلامه هذا مرتديا جلباب لا يكاد يتخطى ركبتيه ممسكا مسبحة فى يمناه .. مطلق اللحية حتى اصبع قدمه .. ينهار باكيا من عظم الاثم الذى ارتكبه .. !!

و يعجبنى فيديو وضعه احد اصدقائى الثوريين بعنوان " عسكر كاذبون " .. شاهدت الفيديو .. تألمت لما يحتويه من مشاهد غير انسانية لانتهاكات العسكر فى حق ابناء مصر .. و تألمت ايضا لشرف العسكرية المصرية الذى لطخه مجلسنا العسكرى .. و يطربنى تعليق صديقى على الفيديو { يسقط يسقط حكم العسكر .. احنا الشعب الخط الاحمر } .. و هو احد اشهر هتافات ميدان التحرير .. فيتخيله اعداء الثورة و اتباع النظام البائد يكتب تعليقه هذا و هو يحضر زجاجة " مولوتوف " الى جانب ادواته العادية - من وجهة نظرهم - شومة و طوب و خنجر و رشاش آلى .. !!

ثم اضحك على صورة وضعها صديقى " الفلول " تظهر احد افراد الجيش المصرى حاملا سلاحه ملثم الوجه .. معلقا { خير اجناد الارض } .. متناسيا ضعف الحديث من حيث السند و الاثبات .. متعللا بنصر اكتوبر المجيد و كأن افراد الجيش هم نسل خاص فريد من نوعه اصحاب الدم النفى الذى لا يختلط دمائهم بدماء ابناء مصر من شعبها البسيط .. متجاهلا حقيقة كون هذا الجيش هو جيش من الشعب لحماية الشعب .. فيتخيله الثوار يكتب تعليقه هذا من غرفته الفارهة ممسكا " ايباد " و فى يده زجاجة من اغلى الخمور .. معلقا صورة لمبارك محتضنا المشير على حائط الغرفة .. !!

و صديقى " الاخوانجى " يحتفل باكتساح حزبه للانتخابات البرلمانية .. متجاهلا انها قد حسمت منذ زمن و لا داعى للاحتفال بهذا النصر الخادع ان لم يحقق مرشحوا الاخوان مطالب شعب مصر و ما انتخبوهم لأجله .. فيتخيله معارضى الاخوان يكتب تعليقه هذا مرتديا "تيشيرت" يحمل صورة المرشد العام للاخوان متكئا على احد صناديق الانتخابات التى طالما " صدعونا بيها " .. !!

و فتاة فى الخامسة عشر من عمرها تكتب { محدش بينجرح قوى الا لما يحب قوى } .. فأجد فى نفسى اقول " يا شيخة اتنيلى على عينك و انا قدك كان كل همى اعدى الوحش بتاع ماريو " .. !!

و آخر يضع صورة يكاد لا يظهر منها شئ سوى لونها الاخضر الذى اعتقد انه لملعب كرة قدم .. و يعلق عليها { دى اوفساااايد ازااااى يا حكم يا ظالم .. الاهلى مش بيفوز الا بالتحكيم } .. !! 

و اغنية ل " بينك فلويد " يصاحبها تعليق " breathless :( " .. و اغنية اخرى تقول " الدنيا زى المرجيحة يوم تحت و فوق " يصاحبها تعليق "و انا ماشى بتمرجح فيها من تحت ل فوق " .. و لا اتفاجأ كثيرا عندما اجد من قام برفع الاغنية الاولى هو نفسه من علق " و انا ماشى بتمرجح فيها من تحت ل فوق " .. فاجدنى فى نفسى اردد " ل فوق ل فوق ل فوق " .. !!

و اخر يعلن عن منتج .. و ثانى منبهر بالتكنولوجيا .. و ثالث يطلب تبادل اعلانى لصفحته .. و رابع يكتب { انشرها و لك الاجر } .. و خامس يضع صورة لفتاة ترتدى ما قد لا يذكر و يعلق " هو فيه كدا .. !! " .. و سادس يكتب شعرا .. و سابع يكتب نثرا .. و ثامن و تاسع و عاشر و غيرهم الكثير و الكثير 

و يفاجئنى صوت " شخير " صديقى - الذى كان قد افترش الرض قبلا - و قد زادت حدته فجأه .. و كأنه تنبيه إلهى يخبرنى بأن الساعة قد قاربت من السابعة .. و انا ما زلت اشاهد و اتصفح عالم ال" فيسبوك " .. و على ان استجمع نفسى و اعود الى سريرى و " بطانيتى " الدافئة  و " بلاها شغل النهاردة .. الجو برد يا عم " .. !!

فأضع رأسى على " المخدة " .. و اجذب " البطانية " بعد ان اغلقت " اللابتوب " و " ونيمته جنبى " و دارت فى خاطرى افكار كثيرة عن جولتى الليلة على " الفيسبوك " .. و كيف تختلف الشخصية الحقيقة عما سأسميه مجازا بالشخصية الالكترونية ..

 فلم يكن صديقى الليبرالى - الذى اعرفه حق المعرفة - كافرا او ملحدا و لا سكيرا ..  بل مسلما ملتزما وسطيا .. يدرك تماما امور دينه و تعاليمه .. و لا يعارض السلف الا فى تشددهم الدينى ... ففُسِرَت وسطيته كفرا .. !!
و لم يكن صديقى السلفى متشددا كبعض السلف .. و لا حتى من مرتدى الجلباب .. بل مسلما ملتزما وسطيا .. اختلف عن صديقنا - المشترك - الليبرالى فى اولوية فكره .. فقط غلبت النزعة الايمانية عليه .. ففُسِر اهتمامه بأبسط امور الدين تشددا .. !!
و لم يكن صديقى " الاخوانجى " راغبا فى سلطة او جاه يوما ما - فى اطار الانشطة الشبابية - .. و لم يكن يوما تابعا للنظام .. و لم يكن متشددا او جاهلا بأمور دينه .. بل مسلما ملتزما وسطيا .. وطنيا ثوريا .. اختلف سياسيا فى نظرته للمرحلة الحالية فى مصر .. !! 
و لم يختلف صديقى الثورى عن صديقى " الفلول " .. فكلاهما اشترك فى حب مصر .. و ما يأملان الا امنا و اسقرارا و تقدما لها .. كلا على طريقته و فكره .. حتى تحول الاتفاق الى اختلاف ضمنى .. ثم تطور الى عداء .. فأصبح كلا منهما يصف الاخر بالعمالة و الخيانة و البلطجة .. !! 
** و لنا هنا حديث اخر حول كيفية تطور الاتفاق الى اختلاف ضمنى ثم تطوره الى عداء .. !! .. كيف حدث و من. المستفيد .. !!

و لن  يكون لنا وقفة مع نشطاء الفيسبوك من " الحبيبة " و " مهاويس الكورة " و غيرهم من الشخصيات النمطية .. !! .. فقد كنت احدهم حتى وقت قريب .. !!

قد يلومنى البعض اننى لم اقف على الحياد عند طرح بعض الشخصيات .. و اننى انسقت وراء ارائى الشخصية و افكارى .. و هو ما لا يتناسب مع ضرورة كونى حياديا فى طرحى .. الا ان هذا هو جوهر هذه الجولة الالكترونية .. انا ما يظهر الكترونيا من افكارنا و ارائنا هو انعكاس وقتى لحالة يمر بها صاحب هذا الرأى .. و لا يمثل على الاطلاق الشخصية بكل جوانبها الفكرية و العقائدية .. !!

" ما تنام بقى " .. هكذا حدثتنى نفسى المتعطشة للنوم .. فطردت افكارى بعيدا .. و عدت الى النوم و لكن السكون قد زال ب " دوشة الاتوبيسات " التى انتشرت فى شوارع القاهرة معلنة عن بداية يوم جديد .. سأقضى معظمه فى النوم .. و الاكل .. !! 




هناك 6 تعليقات:

  1. ادى اول لايك و نام بقى و سمعنا شخيرك

    ردحذف
  2. عالم غريب وجديد ولا تدرى فية من الصادق ومن يتصنع ومن يلبس ثوب ليس بثوبة على الاطلاق

    ردحذف
  3. الجُمله دى بتلخص الأفكار اللى مكتوبه الى حد ما..

    "و كيف تختلف الشخصية الحقيقة عما سأسميه مجازا بالشخصية الالكترونية .. "

    كل هذه الأفكار تدور فى ذهنى كثيرا عندما أذهب لأرى موقع التواصل الاجتماعى..فيما معناه أن ما يفعله الأغلب هو معرفة ماذا حدث اليوم فى المجتمع الفيسبوكى و نرى كل ما تراه تماما .. أحيانا كثيره نرى أفكار و أراء و اتجاهات لأناس نعرفهم مختلفه عن شخصيتهم الواقعيه... و لكنه يعطى الفرصه للكثيرين لمشاركة أراءهم و اهتمامتهم و مشاكلهم ... و احيانا يكون مضيعة للوقت .

    ردحذف
  4. أحييك على مشاركة حديثك الذهنى و النفسى معنا :)

    ردحذف
  5. السحس بيسلم عليك و بيقولك و الله جاحد
    و صمصوم موافق
    اما انا بقى بقولك اسلوبك فى الكتابه فاجئنى
    انا مبسوط جدا من مجهودك
    :))

    ردحذف
  6. تسلملى يا حسنولى :)

    ردحذف

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.