الاثنين، يوليو 29، 2013

خريف .. قصة مش قصيرة .. !!

-         احنا برضه اللى خربنا البلد .. !! .. و لا أنتم اللى عايزين تعيشوا فى القرف بتاعكم و مش عايزين تنضفوا .. ابقوا خلوا البرادعى بتاع العلمانية ينفعكم .. جاتكم القرف .. !!


كانت هذه اخر كلمات انطلقت من فم "عم مسعد" فى مشادته مع "عم ابراهيم" البقال البسيط الذى لا يجيد فى قراءة الكلمات سوى ربع كيلو جبنة و برطمان زيتون و غيرها من انواع بضاعته فى محل بقالته الصغير .. !!

"عم ابراهيم" الذى ضاق ذرعا باتهامات العلمانية و معاداة الإسلام الباطلة .. صاح بعلو صوته .. مشيحا بيديه :

-         تانى علمانية و زفت .. ارحمووووووووووووووووووووونا بقى .. !!


و ما كان المشهد غريبا على أهل الحارة البسطاء .. فقد اعتادوا مثل هذه المشادات بين اهالى الحارة عامة و بين "عم مسعد" و "عم ابراهيم" خاصة بعد تولى الاسلاميين الحكم .. و لفظ "الاسلامين" ليس من وحى خيالى او خيال أهل الحارة .. انما هو لفظ اطلقوه هم على انفسهم من هم على رأس البلاد و أنصارهم .. !!

اتسمت مشادات "عم مسعد" مع صديق عمره و جاره "عم ابراهيم" بالفكاهة الشديدة و خفة الدم المصرية .. و كانت مشاداتهم لا تنتهى و لا تقف عند موضوع ثابت .. فامتدت من مشادات كروية و (تريكة أجمد من شيكا) و (احنا نادى القرن الحقيقى) .. مرورا بمشادات منزلية و (و اقفل الموتور يا بغل ) و (ابنك سرق جزمتى و انا بصلى فى الزاوية) .. و انتهاء بالمشادات السياسة التى انتشرت فى تلك الأيام .. عندما وُجد فى مصر 80 مليون محلل سياسى .. !!


اما هذه المشادة الكلامية السياسية اتسمت بحدة شديدة على غير المعتاد .. و ما كانت لتنتهى لولا ان انهاها "عم مسعد" بكلماته عن العلمانية و معاداة الاسلام و شرع الله حتى يسرع الى الزاوية .. فقد حانت صلاة الجمعة .. !!


لملم "عم ابراهيم" حاجياته و بضاعته و - كراتين الشيبسى - و صناديق البيبسى الفارغة .. و ادخل ثلاجة - الجيلاتى - الى داخل بقالته الصغيرة .. و حمل كرسيه الذى شهد المشادة السياسية منذ دقائق و هو مضغوطا - مفعوصا – تحت مؤخرته السمينة .. و هو يردد آذان الله تعالى وراء مؤذن الزاوية .. "عم مسعد" .. !!

" حى على الصلاة .. حى على الصلاة

   حى على الفلاح .. حى على الفلاح

  الله أكبر .. الله أكبر

  لا اله إلا الله "



ردد الآذان .. و سبح بحمد رب العرش الكريم .. و شكره على نعمة الإسلام .. و أطفأ عود البخور الذى اعتاد ان يشتريه من "مريم" بائعة البخور ذات السبع سنوات و يشعله داخل بقالته ليس فقط لحسن رائحته و لكنه أحب فى "مريم" سعيها وراء رزقها رغم صغر سنها .. و أغلق بقالته .. و توجه ليستمع لخطبة الجمعة بصحبة ابنه "سامى" الذى طالما نصحه بعدم الدخول فى نقاش سياسى مع "عم مسعد" لاقتناعه بعدم جدواه .. !!


و ما كان يعلم ان هناك أعين ترقبه و آذان تترصد قوله .. !!







فرغ الناس من أداء الصلاة .. و الكل يتسارع فى الخروج من الزاوية الصغيرة التى كادت تنفجر بالمصلين .. من ضيقها .. و اختلطت احذية المصلين ببعضها البعض و بدأ كل فرد فى البحث عن حذائه وسط الأقدام .. و لا يتخلل صوت هذه المعركة سوى همهات البعض و حديثهم عن خطبة الجمعة ما بين مؤيد لفحواها و معارض لها .. كحال مصر كلها منقسمة لمؤيد و معارض .. !!


خرج الجميع بينما انتظر "عم ابراهيم" داخل المسجد و بضع افراد يسبحون ربهم و يشكرون نعمه و فضله ..

التفت "عم ابراهيم" الى يمينه ينظر الى "عم مسعد" الذى اتكأ بظهره لحائط الزاوية و يسبح ربه .. و عندما التقت عيناه بأعين "عم ابراهيم" اشاح عنه بنظره كأنه يرى كلب أجرب .. فيجد "سامى" بجانبه مصافحا :


-         سامى : حرما يا عم مسعد
-         مسعد : جمعا يا سامى يا ابنى ان شاء الله
-         سامى : ان شاء الله .. السنة الجاية نصليها فى الحرم
-         آمييييييييييييييين يا رب
-         سامى : انا هاقوم يا عم مسعد .. تؤمرنى بحاجة !؟
-         مسعد : سلامتك يا سامى يا ابنى .. بس ابقى عقل ابوك .. و قول له يسيبه من اللى هو ماشى وراهم دول .. مش هينفعوه يوم الحساب .. !!
-         سامى (مبتسما بسخرية) : هو عندك اهو .. روح قوله .. اصلى مخاصمه .. !! .. سلام يا عم مسعد

يبتسم "عم ابراهيم" الذى كان يستمع لحديث ابنه مع صديقه اللدود .. و ينهض من مكانه و يتجه نحو "عم مسعد" .. و يمد له يده يساعده على النهوض من مكانه .. يخرجا من المسجد سويا .. متجهين الى المقهى الصغير فى مدخل الحارة لاضاعة بعض الوقت قبل موعد الغداء كعادتهم كل يوم جمعة .. !!


-         ابراهيم : حبة طاولة على عشرتين دومينو .. !! .. و لا مبتلعبش مع كفار يا مسعد .. !!
-         مسعد : انا مكفرتش حد يا ابراهيم .. !! .. بس انت ماشى ورا ناس بتحارب الاسلام و المسلمين .. !!
-         ابراهيم : يا سيدى قولتلك مليون مرة مبمشيش انا ورا حد .. !! .. بقولك ايه .. !! .. فضها سيرة بقى .. هنروح على القهوة ولا أطلع اتخمد .. !!
-         مسعد (متنهدا) : اترزع هنا .. !! .. الطاااااااااولة يا دقدق .. و اتنين شاى خمسينة .. و شيشة لعمك ابراهيم .. و طقطوقة .. و انجز يا غتت .. !!

و يأتى "دقدق" بالطقطوقة و الدومينو و الطلبات على وجه السرعة .. خوف من بطش لسان "عم مسعد" .. الذى دائما ما يوبخ "دقدق" على سوء مستوى الخدمة ..

-         مسعد : ايه دة يا دقدق .. !!
-         دقدق : الدومينو و الطقطوقة و الطلبات يا عم مسعد .. !!
-         مسعد : هو انا قلت دومينو و لا طاولة يا قفا .. !!؟
-         دقدق (متلجلجا) : ممممم .. دوميـ .. طاولة يا باشا .. !!
-         مسعد (مزمجرا) : اه .. يعنى طاولة .. مش دومينو .. !!
-         دقدق (ساخرا) : و هى فارقة يا عم مسعد .. ما انت كدة كدة بتشيل الليلة
-         مسعد (ضاحكا) : يلا يا واااااااااااااااااااطى ..

يستمر "دقدق" فى تحضير حجر الشيشة .. و يستمر فى تجريبه بالتناوب مع "عم ابراهيم" و كأنهم يجرون اختبارت معملية على احدث اختراعات البشرية .. و يسحب نفسا تلو الآخر .. و من ثم يناول - لى الشيشة – ليد "عم ابراهيم" ليوثق تجربة "دقدق" و يسحب نفسا عميقا حتى يملأ رئتيه بالدخان الاسود ثم يطرده من فمه مثل وابور الجاز .. و يشير بعلامة النصر و التأكيد لـ "دقدق" موثقا براعة صبى القهوة فى تحضير أهم حجر .. حجر الحياة .. شيشة معسل .. !!

-         ابراهيم : خف شوية على دقدق يا مسعد .. دة برنس القهوة
-         دقدق (مهللا) : قوله يا عم ابراهيم .. قوله .. !!
-         مسعد ( مستنكرا ) : دة برنس دة .. يلا ياااض هات الطاولة انجز .. !!
-         دقدق : طياااااااارة .. !!

يحضر "دقدق" الطاولة سريعا .. و يبدأ كلا من المتباريان "عم مسعد" و "عم ابراهيم" فى ترتيب – البيشات – و كلا يمسك بـنرده ليحددا من يبدأ المباراة .. و يبدأ اللقاء .. وسط تكهنات "دقدق" بهزيمة متوقعه من نصيب "عم مسعد" الذى بدأ اللقاء بـ "دُش" و احتدم اللقاء .. و يأتى "دقدق" بين الحين و الأخر ليرتب – رص الحجر – على شيشة "عم ابراهيم" .. و يشاركهم ببعض الكلمات الخفيفة و الأمنيات بالتوفيق فى لقاء الطاولة .. و يتجازب أطراف الحديث مع المتباريين .. و يبدوا و ان اجواء النقاش السياسى قد بدأت تهل علىيهما .. و يحاول "دقدق" انقاذ الموقف قبل ان يحتدم كالعادة :

-         دقدق : ما تخليكم فى الطاولة و بلاها مرسى و بلاها جبهة انقاذ .. عدوها النهاردة .. ايووووووووووة جاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااى .. هو انا هطير يا اخواننا .. !!
-         ابراهيم : اسمع كلام دقدق يا مسعد و بلاها سياسة .. خلينا فى الطاولة .. شيش يك يا معلم .. !!
-         مسعد : والله انا بتكلم عشان انت صعبان عليا .. مضحوك عليك و ماشى ورا ناس كل همها تحارب الاسلام .. !!
-         ابراهيم : يادى ام الكلمة اللى بتعصبنى دى .. مبمشيش ورا حد انا .. !! .. دوسة .. مقفولة .. يا دى النحس .. !!
-         مسعد : أحسن .. اومال بتردد كلامهم ليه .. !!
-         ابراهيم : انا بقولك اللى انا شايفه .. انا شايف ان الناس دى بتتاجر بالدين و مستخبيين ورا الدقون و بيقولوا كل حاجة و عكسها .. و انهم مش الاسلام .. و الاسلام هيسقط ازاى لو مرسى سقط .. هو كان سقط اصلا بعد سيدنا محمد .. !!؟
-         مسعد : عليه افضل الصلاة و السلام .. يا ابراهيم .. دى ناس عايزة تحكم بشرع ربنا و يعمروا المساجد و الجوامع و يحجبوا البنات و هيحرروا فلسطين .. و لا انت عاجبك البرادعى بتاعك دة اللى بيشتغل مع اليهود .. !!
-         ابراهيم : يهود مين يا مسعد بس .. !! .. متقولش اى كلام و خلاص .. و بعدين انا مالى و مال البرادعى .. انا بقولك انا البلد دى كبيرة على مرسى قوى .. مش قادر عليها .. احنا عايزين ريس قادر .. دُرجى .. العب .. !
-         مسعد : لا مرسى شغال كويس .. و هما بيحاولوا يحاربوه و بيقطعوا فى الراجل .. و بيسربوا البنزين فى الصحرا و يقطعوا النور .. حرااااام عليك دة راجل حافظ كتاب ربنا .. !!
-         ابراهيم : و لما هو قادر كدة و بيشتغل ليه مش بيقبض على الناس دول .. !! .. يا مسعد الراجل دة مبيعرفش .. اه والله مبيعرفش .. لا بيعرف يدير ولا بيعرف يتكلم ولا بيعرف يوجه .. و كداب والله .. شوفت تناقضاته اللى باسم يوسف ذاعها .. !!
-         مسعد : باسم يوسف .. الاراجوووووووووز .. !!

يقطع حديثهما دخان كثيف .. ليس دخان شيشة "عم ابراهيم" و لكنه دخان يأتى من قدح صغير ملئ بالبخور فى يد فتاه صغيرة .. نفس الفتاة بائعة البخور "مريم" .. صاحبة الملامح الباهتة .. فلا يعلو وجهها تبسم .. و لا يعلوه حزن .. فلا تفهم ماذا يدور بخلدها حتما .. و ما يبدو الا بعض مظاهر الشقاء و العناء ..


و تنظر اليهما نظرة نعرف معناها جميعا .. تلك النظرة التى تقول (اشترى عشان مدعيش عليك) ..

فيخرج "عم مسعد" بعض العملات المعدنية من جيبه و يضع احدها فى يدها الصغيرة دون ان ينظر اليها و كأنها يطلب منها سرعة الابتعاد عنه .. فتلتقط "مريم" القطعة المعدنية و تلقى بأحد عيدان البخور على الطاولة .. و تتمتم قائلة :

-         انا مبشحتش منك .. !!

فلا يلتفت "عم مسعد" لكلماتها و كأنه يعرفها مسبقا .. و يكرر كلماته على صاحبه ثانية :

-         باسم يوسف .. الاراجوووووووووووووووووز .. !!

-         ابراهيم : شوفته طيب .. !!
-         مسعد : لا مش بشوفه .. !!
-         ابراهيم : طيب اراجوز ليه بقى .. !!
-         مسعد : مش دة اللى نجيب ساويرس بيدقعله فلوس عشان يشتم الريس .. دة نصرانى .. !!!
-         ابراهيم : نصرانى ايه بس .. !!!!!!!!!!!! .. يا عم مسلم والله .. !!
-         مسعد : و لو .. برضه بتاع ساويرس .. و بيدفعله .. شفت .. !؟ .. كل البلد بتحاربه .. !!
-         ابراهيم : طيب قولى انجاز واحد عمله .. !!
-         مسعد (مترددا) : ... !!؟
-         ابراهيم : فين حق اللى ماتوا .. فين المحاكمات .. فين الامن .. فين الكهربا .. فين البنزين .. دة الواد سامى ابنى بقاله اسبوعين راكن عربيته عشان مفيش بنزين .. بلاااااش دة .. فين الحاجات اللى قال عليها هيعملها فى 100 يوم .. !!
-         مسعد : منا بقولك بيحاربووووووووه .. !! .. دة حافظ كتاب ربنا .. انت مستكتر علينا يحكمنا ريس مؤمن .. !!!!
-         ابراهيم : اللهم طولك يا روح .. !! .. يا عم بلاش ام الكلام دة .. !! .. خلبنا نلعب ام العشرتين يا مسعد و نقوم .. بلاها سياسة و رحمة ابوك .. !! .. دَبَش .. اتنيل العب .. !!

و أخذ نفسا عميقا من شيشته التى فقدت أكثر من نصف حجرها فى الهواء .. و بدأ الدخان يتسلل الى قفصه الصدرى ليهدئ من روعه .. ثم نفثه بشده من فتحتى انفه و فمه و كأنه قمرا اصطناعيا ينوى الانطلاق الى الفضاء .. ثم استطرد قائلا – و بعصبية شديدة - :

-         و لما هو مؤمن كدة .. بيكدب ليه .. !!
-         مسعد : كدب فييييييييييييين .. !!!!!!!!!
-         ابراهيم : كدب لما قال على كل اللى ضده كفار وبلطجية .. كدب لما قال هيعمل و معملش .. كدب لما قال هيحاكم و يحاسب و يجيب حق اللى ماتوا و معملش .. كدب لما قال على سامى ابنى و اصحابه بلطجية .. !!
-         مسعد : هو جاب سيرة سامى اصلا .. !!!!
-         ابراهيم : يا مسعد افهم .. !! .. هو مش قال على بتوع المعارضة دول بلطجية متأجرين و كلام من دة .. يعنى سامى كدة .. ما انت عارفه .. دة ابنك .. !!
-         مسعد : هو سامى مع العيال دول .. !!! .. و انت سايبه كدة .. !!
-         ابراهيم : هو عمل ايه  .. !!
-         مسعد : ماشى مع النصارى .. !!
-         ابراهيم : تاااااااااااااانى نصارى .. متججنييييييييييييييييش .. دة سامى ابنى يا عم .. !!
-         مسعد : طيب شوفت الرجالة و البنات اللى اتقتلوا على ايد البلطجية دول اللى انت و سى سامى ابنك واقفين معاهم .. !!
-         ابراهيم : الله يرحمهم و يغفرلهم .. !! .. ماتوا غدر .. !! .. بس كل اللى ماتوا يا مسعد ميستحقوش الموت .. يعنى زى ما زعلت على دول كنت ازعل على اللى اتسحلوا زمان و اتضربوا و اتقتلوا و انت كنت فى الانتخابات .. !!
-         مسعد : دوووووووووووول بلطجية .. و عايزين يخربوا البلد .. !!
-         ابراهيم : يعنى نقتلهم .. !!
-         مسعد : انا مقولتش كدة .. !! .. انا بقول ان دول مش زى دول .. !!
-         ابراهيم : لا زى بعض يا مسعد .. زى بعض والله .. كلهم مصريين و دمهم كلهم حرام .. !!
-         مسعد : لا مش زى بعض .. دة البلطجية دول قتلوا الناس و هى بتصلى فى الجامع .. !! .. دى حرب على الاسلام .. !!
-         ابراهيم : يا عم احنا مسلمين من غير مرسى بتاعك و هنفضل مسلمين غصب عنكم .. !!
-         مسعد : عمرك ما هتفهم يا ابراهيم .. !!
-         ابراهيم : مش عايز افهم ... حرقت دمى .. !!
-         مسعد : عنك ما فهمت .. و خليك ماشى ورا كلام النصارى و الفلول .. !!
-         ابراهيم : انا ماشى ورا النصارى و الفلول و ورا اليهود كمان .. ارتحت .. !!
-         مسعد : دول ضد الخلافة الاسلامية يا ابراهيم .. متقولش كلامهم .. !!
-         ابراهيم : ماشى ملكش دعوة .. انا ضد الخلافة بتاعتكم دى .. !!
-         مسعد : الله .. !!
-         ابراهيم ( بلهجة شديدة ) : انا نصرانى يا عم .. !!
-         مسعد : انا مقولتش كدة .. !!
-         ابراهيم ( بلهجة أكثر حدة و شدة ) : خلاص انا فلول .. و بحب مبارك و الجيش و فتحى سرور و يا رب يخرج من السجن و يولع فى البلد كلها .. !!
-         مسعد ( مستنكرا ) : بقى دة اسمه كلام .. !!
-         ابراهيم ( بعد ان همّ واقفا على قدميه ) : كيفى كدة يا عم .. انا حر ... يلعن ابو مرسى على ابو ام الاخوان .. على ابوك انت كمان .. انا هغور من قداااااااااامك .. حرقت دمى .. ارفع يا دقدق الزفت  .. !! .. ملعون ابو الطاولة على اللى يلعبوها .. !!

و يقدم عليهما "دقدق" بعد ان افترقا .. تاركين وراءهما الطاولة و الشيشة و "دقدق" نفسه .. كلا الى سبيله .. رافضا الأخر و متمتما بلعن و سب صاحبه .. و سب السياسة و الساسة .. و يلملم طقطوقته و طاولته و الشيشة .. لاعنا هو الأخر :

-         دقدق : ملعون ابو السياسة .. الحساااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااب .. !!

فقد كان حديثهما على مسمع و مرأى رواد القهوة الذين ضاقوا ذرعا بأحاديث السياسة و ما شابهها .. و كانوا على يقين ان هذه ليست المشادة الأخيرة بين صديقين و جارين اعتادا المزاح و السمر و المرح معا قديما ..  قبل ان ينقسم كل بيت فى مصر الى مؤيد و معارض .. !!

و لكن الجميع لم يدرك انه لم يقتصر سماع هذه المشادة على رواد المقهى و بعض أهل الحارة فقط ..

.. فقد كان هناك غيرهم من يرصد و يسترق السمع .. !!







عصر الجمعة .. و "عم مسعد" يرفع الآذان كعادته فى الزاوية الصغيرة فى الحارة الأصغر .. و يؤدى الجميع مناسك الصلاة .. الجميع بلا استثناء .. المؤيد و المعارض و الليبرالى و الاشتراكى و الثورى و الناصرى و الرأسمالى .. الجميع بلا استثناء .. الجميع فى حارة لا يدرك أغلب اهلها معنى كلمة واحدة من هذه المسميات السياسية .. لا يعرفون سوى انهم مصريون مسلمون ..


و ما لبثت ان تنتهى موقعة البحث عن الاحذية امام باب الزاوية الصغير .. الا ان توجه "عم ابراهيم" الى بقالته مباشرة .. فيفتح ابوابها .. و ينير اضوائها .. و يشعل بخورها .. و يخرج كرسيه المسكين الى خارجها بجانب - ثلاجة الجيلاتى و البيبسى – لتجد مؤخرته السمينة مسندا خشبيا تتكأ عليه فى انتظار أول زبون ..

مباشرة الى بقالته دون ان ينتظر صاحبه "عم مسعد" لأول مرة منذ عقود .. !!



أفكاره تتصارع فى راسه .. اسيبقى الوضع على هذا الحال طويلا .. هل هناك املا فى ان نبقى صداقتنا بعيدة عن الجدل السياسى .. !! .. اوليست صداقتنا اشد و اعمق .. !! .. و يباغته صوت ولده "سامى" قبل ان يجد جوابا لأسئلته .. قائلا :

-         اصلها ايه مستنتش عم مسعد بعد الصلاة .. ايه .. !! .. شديتوا سوا تانى ولا ايه .. !!

-         ابراهيم ( بعد ان أطلق تنهيدة طويلة ) : والله منا عارف ياابنى .. اخرتها مع الراجل دة ايه .. واخد الكلام دة على صدره قوى كأنى عدوه ..
و يصمت برهة .. ثم يكمل :
-         و انا كمان مزودها معاه .. و بديله جامد .. !! .. هنبقى تمام .. متشغلش بالك انت .. عامل ايه فى شغلك المهم .. !؟
-         سامى : ماشى الحال الحمد لله
-         ابراهيم : نحمد و نشكر فضله .. معلش يا سامى .. نادى على الواد دقدق يعملى كوباية قهوة .. دماغى هتنفجر
-         سامى : عنيا ..

و يتحرك "سامى" باتجاه المقهى .. ليأتى بفنجان من القهوة لأبيه الذى امسك رأسه بكلتا يديه من شدة الألم .. فى الوقت نفسه الذى يدخل محل بقالته ثلاثة أفراد يجمع بينهم الوحدة فى ارتداء الجلباب الأبيض و العمة البيضاء .. بل و يشتركون ايضا فى طول اللحية و سمرة الوجه ..


كان وجه أحدهم مألوفا جدا لـ"عم ابراهيم" و يبدو انه كبيرهم .. فهو يتقدمهم فى الحركة و يشير لهم بيده فيقفوا خلفه كأنهم طاقم من الحراسات الخاصة ..


يرفع "عم ابراهيم" بصره اليه .. و يتمتم ببعض كلمات .. ثم يوجه حديثه لكبيرهم هذا دون ان يبرح مكانه :

-         ازيك يا شيخ بلال .. اؤمرنى .. !!

كان الشيخ "بلال" كما أطلق هو على نفسه و رفيقاه قد انطلقا مسبقا الى داخل البقالة .. فاضطر للالتفاف للوراء لمواجهة "عم ابراهيم" الذى لم يبرح كرسيه خارج البقالة .. فصار الرجلين من اتباعه امامه .. فجاء من خلفهم و اوسع لنفسه مكانا بينهما .. ليتقدمهما .. و يرد قائلا :

-         و ما الأمر إلا لله الواحد القهار يا عم ابراهيم .. عايزينك فى كلمة .. !!

استند "عم ابراهيم" بكلتا يديه على ركبتيه .. ثم هم واقفا ..  ينظر الى بعض رفقاء "الشيخ بلال" الذين كانوا يراقبون الموقف من الطرف الأخر للحارة .. ثم يدخل الى بقالته التى لم يعد بها مساحة تكفى لفأر لو رغب فى التسلل للداخل .. متمتما :

-         يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم .. !!

أمال "الشيخ بلال" برأسه للوراء قليلا .. موجها حديثه لزميليه :

-         يبدو ان عم ابراهيم متضايق من وجودنا يا اخوة .. !!

فسارع "عم ابراهيم" بالرد قائلا :

-         لا يا شيخ بلال مش متضايق ولا حاجة .. بس انت كل حاجة طلبتها عملناهالك .. الزاوية و القرآن شغال فى ميكروفانتها 24 ساعة حتى بعد الفجر .. و زينة رمضان و الفوانيس و شيلناها عشان بدعة .. القهوة و هنكلم المعلم بتاعها بالليل عشان الشيشة حرام .. مع انها يعى كلها حاجات ملـ ...

قاطعه أحد أصحاب "الشيخ بلال" بحدة :

-         حاجات ايه يا اخ .. !!

أشار له "الشيخ بلال" بيده ان يتوقف عن الكلام .. و أردف قائلا :

-         شايفها حاجات ملهاش لازمة .. صح يا عم ابراهيم .. !! .. ما هو الدين بالنسبة لك دلوقتى بقى مالوش لازمة .. و ضد الاسلام و ضد الخلافة الاسلامية .. مش دة كلامك .. !؟
-         ابراهيم ( مستهجنا ) : كلامى ايه .. ايه الكلام الفارغ دة .. !!
-         بلال ( مقاطعا ) : كلامك انت يا عم ابراهيم .. انت هتكدب ولا ايه .. !! .. عيب على سنك .. !!
-         ابراهيم : انت عايز ايه دلوقتى يا شيخ بلال .. اؤمرنى .. !!
-         بلال : عايزك تعود الى رشدك و الى الله .. الى الطريق القويم .. و تبتعد عن أفكار الشيطان اللى مش هتجلبلك الخير أبدا .. !!
-         ابراهيم : انت بتهددنى يا بلال .. !؟

فانفعل أحد اصحاب "الشيخ بلال" على "عم ابراهيم" .. و أمسك ذراعه بقوة :

-         اسمه الشيخ بلاااااااال ..  !!

تفاجأ "عم ابراهيم" من ردة فعل أصحاب "الشيخ بلال" و من ردة فعل الشيخ نفسه .. فلم يحرك ساكنا و لم ينهر صاحبه على فعلته و هو يراه ينهر رجل كهل يكبرهم سنا بثلاثة عقود كاملة من الزمان .. و لم يتذكر يوم كان "بلال" طفلا صغيرا يلعب فى ساحة بيت "عم ابراهيم" مع صديق طفولته "سامى" الذى انقطعت العلاقة بينهما بعد ان اتهمه "الشيخ بلال" بالكفر .. كما اتهم أهل الحارة جميعا .. و أهل مصر جميعا طالما لم يطلقوا اللحية و يقصروا الجلباب الأبيض .. !!


أفاق "عم ابراهيم" من ذكرياته .. خيالاته .. و ما زال ذراعه معلقا فى يد صاحب "الشيخ بلال" الذى علق نظره على أعين "عم ابراهيم" .. و كانما يهدده بأن القادم أسوأ لو لم يطعه .. !!


حاول "عم ابراهيم" انتزاع يده من قبضة هذا الرجل  :

-         سيب ايدى ياض انت .. انت اتجنتت فى عقلك .. سييييييب .. !!

و نزع يده .. بالقوة .. ليتفاجأ بأيدى الثلاث الرجال يمسكون به من قميصه .. و يلصقونه فى حائط البقالة التى سقط بعض بضاعتها على الأرض بفعل هذه التحركات السريعة فى مثل هذا المكان الضيق .. و يرتطم ظهره بالحائط .. فيتأوه من الألم ..


فيقول "الشيخ بلال" :

-         وجعتك قوى يا ابراهيم .. عشان تتعلم تانى مرة تتكلم مع شيوخك بأدب .. يا فاجر .. وصلت بيك البجاحة تجهر بأنك ضد الاسلام كدة عينى عينك .. يا بجاحتك يا أخى .. ايه الكفر اللى انت فيه دة .. شرك .. !!

و يتابع أحد رفيقيه :

-         عارف ربنا قال ايه فى اللى زيك .. اقتلوهم حيث ثقفتوهم  .. صدق الله العظيم .. بس احنا هنبقى كرماء معاك و عايزين نديك فرصة ترجع لعقلك .. و دينك .. !!

نظرات القلق و الاضطراب ظهرت على أعين "عم ابراهيم" الذى كان يتصبب عرقا .. و لا يدرى الى اى درجة من الجدية يصل الى تهديد هؤلاء الرجال .. و يركز نظره فى أعين "بلال" و كأنه يحاول ان يثنيه عن فعلته لعله يتذكر أيامه الخوالى ..



-         فيه حاجة يا عم ابراهيم ولا ايه .. !!

حرك الأربع رجال رؤؤسهم باتجاه مصدر الصوت .. ذلك الصوت الذى قاطع فكره .. و فعلتهم ..  صوت "دقدق" الذى كان يقف فى وسط الحارة و ينظر من باب البقالة الصغير و على يده صينية تحمل بعض الأكواب الفارغة 


و لم ينتظر "دقدق" اجابة "عم ابراهيم" .. و لكنه تحرك مسرعا مبتعدا عن المكان .. و بدأ القلق يتسرب الى نفس "الشيخ بلال" الذى أعتق رقبة "عم ابراهيم" .. و أشار لصاحبيه بأن يعتقوه هم أيضا .. و تحركوا خطوتين للخلف ليفرغوا مساحة لـ "عم ابراهيم" كي يعتدل فى وقفته .. و أضاف :

-         فكر يا ابراهيم فى كلامى و كلام الأخوة .. عسى الله ان يهديك .. أو يقضى أمرا كان مفعولا ..

و أمر تابعيه أن يتحركا معه للخارج .. الا انهم لم يجدوا مخرجا لهم من البقالة الصغيرة .. فبابها الصغير قد سده "سامى" بجسده .. و من خلفه "دقدق" النحيل لا يظهر من جسده المختبئ خلف جسد "سامى" سوى رأسه ..


أوقفهم "سامى" .. و صاح فيهم قائلا :

-         جرى ايه يا بلاااااال .. انت كل يومين بحكاية شكل .. !! .. عايز ايه من ابويا يا بلال .. !!

-         بلال ( مهاجما ) : خليك فى حالك يا سامى .. !! .. دول كلمتين كدة قولتهم لابراهيم .. و هو خلاص حطهم حلقه فى ودنه .. و انتهى الأمر

ثم وجه نظرة حادة ناحية "دقدق" الذى ما زال مختبئا خلف جسد "سامى" .. و أضاف :

-         ­هتعدينا ولا ناوى تحبسنا هنا يا أخ سامى .. !!
-         سامى ( بسخرية ) :  أخ سامى .. ايوة يا .. أخ .. بلال .. هحبسك هنا لو قربت من المحل دة تانى .. و اخر مرة تقوله ابراهيم كدة حاف .. يا .. أخ
-         بلال : اسمى الشيخ بلال .. ارجو انك متنساش نفسك و انت بتتكلم معايا .. و أخر مرة هقولك عدينى انت و العصفورة بتاعتك دى عشان يحصل طيب
-         سامى : دة انت بتهددنى بقى يا بلال
-         بلال : معاذ الله .. انا بس بنذرك ..
-         ابراهيم : سيبه يا سامى يا ابنى يروح .. ربنا يكفينا شره و شر اللى زيه
-         بلال ( محذرا ) : أظن انى حذرتك اكتر من مرة يا ابراهيم .. الزم حدودك ..

و لم يكمل "الشيخ بلال" كلماته حتى فوجئ بلكمة قوية من سامى فى وجهه أطاحت به أرضا .. :

-         اسمه عم ابراهيم يا وسخ .. !!

مسح "الشيخ بلال" نقط الدم التى سالت من فمه على اثر اللكمة القوية .. و لم يقو على القيام من اثر المشاجرة التى اشتعلت بين "سامى" من طرف و رفقة "الشيخ بلال" من طرف أخر .. و بينما يحاول "عم ابراهيم" ان يفصل بينهما فى المحل الصغير الذى تطايرت محتوياته على الأرض .. و انطلق "دقدق" وسط البعض الذى تجمع عند البقالة على اثر المشاجرة .. بعض اهالى الحارة و بعض الزوار و الأطفال و ايضا بعض الدقون .. !!


 انطلق طلبا للنجدة ..


لكمات تتوالى من الطرفين .. و "سامى" لم يعد يقو على المقاومة .. و قد طُرح على – الفترينة – يتلقى لكمات متتالية .. بينما يحاول والده انقاذه من ايديهم .. و لكن طعنة خنجر "الشيخ بلال" كانت اقرب لظهر "عم ابراهيم" .. " الشيخ بلال " الذى قرر أن ينهى حياة "عم ابراهيم " صارخا :

-         كاااااااااااااااااااااافر .. !!

ازدادت صرخات الجموع عند البقالة عند رؤية المشهد الدموى .. و منهم من تشجع للدخول لانقاذ "سامى " من أيديهم .. و انطلق من وسطهم "عم مسعد" و من خلفه "دقدق" .. و ما ان رأى صديق عمره ملقى على الأرض غارقا فى دمائه .. حتى صرخ بأعلى صوته :

-         ابراااااااااااااااااااااااااااااااااهيييييييم .. ليييييييييييييييييه لييييييييييييييييييييييه .. !!

و جذب "الشيخ بلال" خارج المحل و هوى على رأسه بعصاه .. و طاح فيه ضربا و سبا و لعنا ..حتى تلقى ضربة قوية على رأسه بعصا لم يعرف من هو حاملها من بين اشخاص تستطيع تمييز الى اى طرف ينتمون من ملابسهم المُقصرة و لحاهم المطلقة .. فى نفس وقت خروج رفيقى "الشيخ بلال" من المحل و ملابسهما مغرقة من الدماء .. وسط صرخات النساء و الأطفال من شرفات البيوت فى الحارة الصغيرة .. فلم يبرحا مكانهما .. امام الحشود التى انطلقت نحوهما بالعصى و الخناجر .. و السيوف .. و مسدسات الخرطوش .. التى انطلقت طلقاتها فى المكان تصيب من تصيب و تخطئ من تخطئ .. 


و صرخات الاستغاثة لا تتوقف من النساء والاطفال فى الشرفات .. فلم يكن هناك من يشرح لهم ماذا يحدث .. و من يقتل من .. و من هؤلاء الغارقين فى دمائهم .. تزداد الحشود ..


و تزداد الدماء ..


دماء ..


دماء ..







 قُتل من قتل .. و فر من فر .. و جرح من جرح .. و نجا من نجا ..


مشهد عبثى .. دموى .. لم يستطع اهل الحارة تفسيره .. صرخات أمهات فقدن ازواجهن او اولادهن .. و صرخات اطفال فقد اخواتهم و ابائهم .. و نحيب رجال أشداء فقدوا اصدقائهم .. و نيران مولوتوف احرقت المنازل و المحلات .. و البشر ..



جثث ملقاة فى شارع لا يتسع لهم و هم أحياء حتى يسعهم أمواتا .. مغطاة بورق جرائد لا تحتوى سوى اخبار عن احداث مشابهة فى مناطق مختلفة من ارض مصر .. و صور لا تختلف كثيرا عن منظر الجثث الملقاة فى الشوارع فوق بعضها البعض .. يحيطها اشخاص تبكى و تنتحب .. و اشخاص تواسى .. و اشخاص يملأها الغضب و الرغبة فى الانتقام .. و أشخاص لا تنتمى لهم من قريب اوبعيد جاءوا بدافع الفضول ..


جثث رجال .. جثث نساء .. جثث شيوخ .. و جثث أطفال


و صحافة .. و كاميرات ..


و تليفيزيون ..


و رجال اسعاف .. و أطباء ..


و رجال شرطة .. و مباحث ..


أصناف كثر من البشر .. تفرقوا فى اللون و الجنس و العلم و الثقافة .. و الدين ..


و لكنهم اتفقزا جميعا فى جهلهم بحقيقة الأحداث ..


فمن يعرف الحقيقة الآن .. تحت صفحات الجرائد غارقا فى دمائه .. !!


يحمل رجال الاسعاف و الشرطة الجثث الى سيارات الاسعاف لنقلها الى مشرحة الطب الشرعى لمعرفة ملابسات الحادث الأليم .. و سط استجوابات بعض رجال المباحث لبعض الاهالى .. الذى بدأ فى سؤالهم عن معرفة الأشخاص المقتولين لاثبات هويتهم فى المحضر ..


و يسأل الضابط موجها حديثه للشيخ "عرفات" امام الزاوية و اكبر اهل الحارة .. الذى قدم الى مكان الحادث مذهولا ..

-         البقاء لله يا شيخ عرفات .. الناس قالولى انك كبيرهم هنا فى الحارة

-         عرفات .. و الدموع تملأ عينيه : حسبى الله و نعم الوكيل .. حسبى الله و نعم الوكيل .. انا لله و انا اليه راجعون .. انا لله و انا اليه راجعون .. انا لله و انا اليه راجعون
-         الضابط : ان لله و انا اليه راجعون .. معلش يا شيخ عرفات جمد قلبك و استحملنى دقائق و قولى تعرف مين من الجثث دى ..

و يبدأ الضابط فى رفع الغطاء عن اوجه الجثث الملقاة على النقالات المتحركة لعربات الاسعاف .. و يسأل الشيخ "عرفات" :

-         تعرف مين دة يا شيخ .. !!
-         عرفات .. يكاد لا يصدق نفسه من هول الصدمة : .. !؟
-         الضابط : معلش .. بص كويس
-         عرفات : ايوة .. اعرفه .. دة عم ابراهيم حمدى صاحب بقالة النور ..
-         الضابط : و دة ..
-         عرفات : دة دقدق صبى القهوة ..
-         الضابط : اسمه الحقيقى ايه .. !!
-         عرفات : معرفش ..
-         الضابط : طيب و دة .. معلش استحملنى يا شيخ ..
-         عرفات : معرفوش ..
-         الضابط .. يدون اقوال الشيخ فى اوراقه : بص كويس يا شيخنا ..
-         عرفات ( مؤكدا ) : معرفوش يا ابنى .. دة غريب عن الحارة أول مرة اشوفه ..
-         الضابط : طيب و دة
-         عرفات .. و ينفجر فى البكاء : دة مسعد الجندى مؤذن الزاوية اللى انا امامها ..
-         الضابط : البقاء لله.. معلش .. استحملنى .. طيب دة ..
-         عرفات : دة بلال الحاج .. و دة محمود اخوه صاحبه ..
و دة سامى ابراهيم حمدى صاحبه برضه .. !!
و دة معرفوش .. !!
و دة ايمن مشكور ..

و يستمر "الشيخ عرفات" فى التعرف على جثث اهل حارته الذين وافتهم المنية اثر حادث لا يعرف هو ملابساته ولا اسبابه .. حادث فقد فيه العزيز و الغالى .. يتعرف على بعضهم و يؤكد ان البعض الاخر ليس من اهل الحارة فى الاساس ..

و يستمر الضابط فى تدوين اقواله فى الاوراق الخاصة به .. و يضيف قائلا :

-         خلاص يا شيخنا .. معلش تعبتك معايا .. دى اخر جثة .. تعرفها ..

يمسح "الشيخ عرفات" دموعه فى كُم جلبابه .. و يحاول التماسك .. و ينظر الى أخر جثة ليتعرف عليها .. فقد انهكه المشهد قواه .. و يجيب :

-         ايوة اعرفها .. دى مريم جرجس .. بتاعة البخور .. !!

و يشكره الضابط على وقته .. و تبدأ عربات الاسعاف حاملة جثث المصريين الى مشرحة الطب الشرعى .. و تستعد للقاء ربها .. وسط دعوات اهل الحارة بالرحمة و المغفرة للمتوفين .. و بكاء فراق الأحباب .. و نحيب الأرض و السماء .. 


فقد غابت الشمس فى السماء .. و حانت صلاة المغرب .. و لم يجد الآذان من يرفعه فى الزاوية الصغيرة .. فقد مات المؤذن .. و المصلين .. و عم السواد فى حارة لم نعرف عنها شيئا قبل هذا اليوم ..


اليوم التى امتلأت فيه الصحف المصرية بخبر الحادثة تحت عنوان :


" بدأ الخريف .. نار الفتنة الطائفية تشعل احد حارات القاهرة .. قصة الحب بين "مريم" المسيحية و "سامى" المسلم تقتل خمسة عشر شابا مصريا .. وسط مخاوف بالتصعيد من انصار الدعوة السلفية .. و الكنيسة تطلب التحقيق "



 تمت ..




تعقيب :
- ايوة بعقب على قصة انا اللى كاتبها .. عادى جدا
- القصة دى اتكتبت فى الأصل قبل انتخابات الرئاسة و كانت تلقيح كلام على حازمون .. بس منشرتهاش .. و لما حبيت انولها دلوقتى بمناسبة ارهاب الاخوان عملت فيها تغييرات عشان تلائم الوقت دة
- قصة قديمة .. و فكرة مستهلكة و اتحرقت مليون مرة قبل كدة .. بس لزم التذكير
- تعمدت يكون نقط الخلاف السياسى بين الشخصيتين الرئيسيتين تافهة جدا و سطحية و بعيدة كل البعد عن الابعاد الحقيقية فى ادعاءات التأييد او الرفض
- القصة ممكن تكون حقيقة و ممكن تكون خيال .. بس الموضوع قرب قوى يوصل لكدة .. خصوصا مع التخفى فى عباءة الدين و مع كم الارهابيين اللى بيناصروا المشروع الاسلامى من وجهة نظرهم أكيد .. اللى الاسلام برئ منها و منهم 
- كفاية كدة كلام .. مش هبقى انا و القصة عليكم 

سلام 

 



0 التعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.